الجنس بين الفلسفة والمفهوم جزء 2
أن وجود
الإنسان وتحقيق ولادته
عن طريق الجنس
لم يكن وليد
نزوة طارئة أو
لذة عابرة.ولكن
بفلسفة كاملة واعية واعتقد أن
ثمة طاقةً ما
تفعل في
الإنسان، كأية طاقة
حيوية أخرى كامنة
في جسده، تجعله
يقوم بواجب معيَّن عن
طريق عضو من
الأعضاء. وفي الجنس،
تتمثل هذه الطاقة
في انجذاب وذوبان
بين قطبي الإنسان لكي تتحقق
فعلاً، أي
تنتقل من
الوجود بالقوة إلى
الوجود بالفعل. ويتمثل
الجنس في
هذا الانجذاب الحاصل
بين قطبي الإنسان، فيكون اندفاعًا
وانفعالاً أو نزوة
أو لذة أو
هياجًا عندما يضل
عن غايته، إذ
لا يفعل فيه
الوعيُ والإرادة،
فينقاد إلى الأنا
ويعبِّر عنها. وتخلو
الحياة الجنسية عندئذٍ
من فعل المحبة،
وتعبِّر عن الأنا
وتلقائيتها وتأثرها اللاواعي
بالجانب المادي وحده
وفي هذه
الحالة، ينقاد الإنسان
إلى هذه التلقائية
انقيادًا أعمى أشد
من انقياد الحيوان
إلى دافعه الغريزي
فالحيوان لا يمارس
الجنس إلا في
سبيل الإنجاب والتكاثر،
ولا يقترب ذكرٌ
من أنثاه عمومًا
ما لم
تسمح هي
بذلك الاقتراب وفق
نواميس طبيعية منظمة
غاية التنظيم؛ فتكون
عملية الجنس منظمة
عند الحيوان. وبما
أن هذه العملية
غير منظمة في
الإنسان، فإنه يمثل
درجة أحط من
الحيوان عندما يعبِّر
عن انفعال الأنا،
أي عندما يفتقر
إلى قاعدة وعي. وقاعدة
شرعية كالزواج
فلو كان
الجنس في
الإنسان منظَّمًا، كما
هو لدى الحيوان،
لما كان إنسانًا. فليس تنظيمه في
الحيوان سوى دافع
غريزي وعدم تنظيمه في
الإنسان إلا حرية
كاملة الاركان
ويُعَدُّ الجنس
في الإنسان تعبيرًا
عن فعل الكيان
ككل. لذا يتأثر
الجنس في
الإنسان بعوامل نفسية
واجتماعية. فهو، كما
قال پول شوشار،
الاختصاصي الفرنسي في
فسيولوجيا الجهاز العصبي،
" جنس نفسي .تتأثرالنفس
به ثم تؤثر هي
باشكال مختلفة كالاعجاب
والحوارثم الاداء الجنسي ، هذا التفسير ينقلنا
الي موضوع الدافع
الغريزي والدافع الحيوي
الواعي. فما الغريزة؟
وما الدافع؟ وما
الفارق بينهما؟
نحن نعلم
أن ولادة الإنسان
تعني وجود الدافع
والتلقائية. فالطفل مثلا
يطلب الطعام والماء
منذ ولادته، وذلك
على الرغم من
عدم ادراكه ووعيه
ومعرفته بما يطلب. ولذا نقول إن الدوافع
تولد مع
الإنسان. وكما يبدو،
فإن الدوافع تتنوع،ويتدرَّج
ظهورُها على التوالي؛
فهي إذًا كامنة
في صميم الكائن الحي. فهل هي
تتفق مع
العقل , أم أنها
تتناقض معه؟
يهدف كلُّ
دافع إلى تحقيق
غاية. وتُعَدُّ كلُّ
غاية في
جوهرها فعلاً عقليًّا؛
لذا يتناسب الدافع
مع العقل والوعي فالدافع طاقة
كامنة في
الإنسان، تنسجم مع
العقل وتعبِّر عنه
إنْ هي
تحققت بمقتضى الغاية
التي من
أجلها وُجِدَتْ. وهكذا يكون الدافع
عقلاً متى حقَّق
الغاية من
وجوده في
مقابل ذلك، ولذا
تُعَدُّ الغريزةُ في
الحيوان عقلاً متدنِّيًا؛ إذ لا
تتفق هذه الغريزة
مع العقل الإنساني. ولقد أظهر العالِم
الفرنسي تِلار دُه
شاردان أن
العقل كامن في كلِّ شيء،
ويتدرَّج من الأدنى
إلى الأعلى في
تفتح مستمر. ولما
كان يُعرَّف به
بأنه درجة عقلية
دنيا في الحيوان، فإننا ندعوه
غريزة أو
تلقائية. فالغريزة طاقة
لا تعقل ذاتها،
بينما الدافع طاقة
تعقل ذاتها، لأنه
يحقق ذاته،
يحقق غاية؛ فهو
عقل متى أدرك
ووعى وفي هذا
المجال، نقدم أمثلة
على الدافع والغريزة: العاطفة دافع، لكن
انحرافها يشير إلى
الغريزة أو الرغبة؛
والعقل
لا يعي موضوعه
لحظةَ ان
ينحرف الدافعُ إلى
غريزة. والطعام دافع،
لكن انحرافه يسمَّى
شهوة أو
شهية، أي
غريزة. والشجاعة دافع،
لكن انحرافها انفعال
وتمرد ورعونة. والجنس
دافع، لكن انحرافه
غريزة تفقد غايتها
وعقلانيتها. لذا كانت
الغريزة سلوكًا يجري
وفق نواميس محددة
فطريًّا؛ فتكون عقلاً
أدنى، وتلقائية لا تعي ذاتها - الجنس الإنساني فريد
من نوعه، ذلك
لأنه يتجاوز الحاجة
البيولوجية. وقد اتفق
الكثير من
العلماء والحكماء على
أنه ليس في
الإنسان حاجات بيولوجية
صرف لذا
لا نستطيع تقسيم
الإنسان أو تجزئته
إلى كيانين متباعدين: نفسي وجسدي.متباعدان
عن بعضهما البعض بل
هما متقاربان مندمجان ذلك لان
النفس والجسد كلاهما
مكونان للكائن الحي
يتأثران بالعوامل ويؤثر
كلاهما علي الاخر
فنجد مثلا عللا نفسيه
وعللا جسدية وبينهما
علل اخري مشتركة
نطلق عليها العلل
النفسجسمية .او
الجسمنفسية
فالطعام
والجنس، مثلاً، حاجتان
نفسيتان–جسديتان. الطعام
في الإنسان يتحول
إلى أفكار؛ ولكنه
في الحيوان أو
النبات لا
يتخطَّى حدود الغذاء. والإنسان لا يحيا
بالطعام وحده، وبالتالي
لا يفكر من
خلاله فقط؛ فالموسيقى والقراءة والتأمل
إلخ عوامل هامة
في تشكيل أفكاره. لذلك يُعتبَر الطعام
حاجة بيولوجية–نفسية. والجنس في الإنسان يتحول إلى
عواطف ومشاعر وأفكار
ومُثُل وتصورات، تشيع
جميعًا في
الإنسان لترفعه وتسمو
به إلى مدارك
عليا. وتُعتبَر هذه
كلها عوامل نفسية
إن تسامي
الإنسان على الحيوان
يشير إلى أن
الجنس أكثر من
حاجة بيولوجية فقط. وبما أن
الجنس يقع فيما وراء اللذة،
فإنه يتجاوز الغريزة
إلى حقول الشعور
والعاطفة والفكر. ولما
كانت العوامل النفسية
والتصورية تلعب
دورًا كبيرًا في
الجنس الإنساني، فإننا
نقول بأنه إخفاق
تام عندما نسعى
إليه كغريزة أو
كإشباع كمِّي محض
وهكذا نرى أن
الجنس عند الإنسان
يختلف عن
الجنس عند الحيوان،
وذلك لأن تطور
الحياة من
الأدنى إلى الأعلى، من الغريزة – وهي عقل متدنٍّ – إلى العقل الواعي،
يواكبه تطورٌ في
الجنس. ونقصد بهذا
التطور تطورًا من
الصعيد البيولوجي إلى
الصعيد الفكري والنفسي. وهذا ما
يؤكد عليه كتاب
الجنس ومعناه الإنساني لمؤلِّفه كوستي
بندلي. فالإنسان، كما
نرى وكما يرى
هذا المؤلِّف المبدع،
يتأرجح بين الغريزة
وأسمى القيم؛
فهو
يحيا في
الدافع كما يحيا
في الوجدان. ومما
لا شك
فيه أن
الجنس يشير إلى
حقيقتين تظهر من
خلالهما عظمةُ الكائن
الحي في
نزوعه نحو الكمال. فالجنس تعبير عن
واقعين اثنين
الاول :
نزوع إلى اتصال
حميمي بالآخر، لأنه
يقيم علاقة عاطفية
مع هذا الآخر،
ويعبِّر عن حقيقة
وجودية ما فهو، إذن، حركة
تدفع إلى لقاء
الآخر من
أجل اكتمال الكائن
الحي
الثاني :
تعبير عن الشخصية
الإنسانية ككل: فالرغبة
الجنسية تتأثر بعوامل
عديدة، وتختلف كليًّا
عن العوامل الفسيولوجية
البحتة، نذكر منها
عوامل الخيال والعاطفة
والشعور بالغير وبالقيمة
وسائر العوامل النفسية. لذا لا
نستطيع القول إن
الجنس مجرَّد حاجة
بيولوجية، ذلك لأن
الانفراج العضوي البحت – ونعني العلاقة الجنسية يترك
شعورًا بعدم الارتياح. ولكن هذا الشعور
يضمحل متى اقترنت
العلاقة بالعوامل النفسية
الأخرى. فالجنس لقاء مع
الآخر يعبِّر عن
الكيان الواحد والاندماج
المطلق لحظة اداء
هذه العملية الجنسية
مكتملة الاركان , وعليه فان
الجنس يجعل من
المرأة والرجل كيانًا
واحدًا؛ فمتى تم
الوصالٌ بينهما تحقَّق
الكيان الواحد الكامن
في كليهما.
إذا كنَّا
نأخذ هنا بهذا
المبدأ، فلكي نشير
إلى أن
الكيان الإنساني لا
يتم ولا يكتمل
إلا بانسجام الروح
والجسد في كيان واحد نسمِّيه
الإنسان. والإنسان هذا
رجل وامرأة، روح
وجسد بينهما الحب
والرغبة متغلفان في
غلاف شرعي هو
الزواج ،
لا يتضادان إلا
ظاهريًّا، ويتكاملان داخليًّا
بشكل كامل هما في
كيان واحد متَّحد. وهما في
حقيقتهما يشيران إلى
سرِّ الوجود، إلى
حقيقة التكوين. فاجتماع
الرجل والمرأة، أو
ما ندعوه بـ"الاتصال الجنسي"،
يشير إلى سرٍّ
عميق، إلى وحدة
الوجودين الظاهري والباطني،
المادي والروحي، في
وحدة لا
تنفصم عراها ولا
تنحلُّ أبدًا. لذا
فالزواج سرٌّ عميق
ينطوي على حقيقة
التكوين، فيما الإباحية
الجنسية خروج عن
هذه الحقيقة،
واعتقد ان
الخطأ هو
الذي وقع فيه
( فرويد ومدرسته) فالجنس
أساسًا ليس حاجة
بيولوجية تنطلق من
دافع عضوي فقط.
ولما كان
الإنسان كلاًّ متحدًا،
أو كثرة في
واحد، فإن كلَّ
عاطفة أو
شعور أو
إحساس فيه إنما
يعبِّر عن
كل. ففي الجسد الإنساني مراكز
وظيفية عديدة تسمَّى
"أعضاء". ويقوم كلُّ
عضو بواجبه ليعبِّر
عن إرادة الكل. فالقلب لا
يُعتبَر عضوًا قائمًا
بذاته قيامًا مجردًا
أو معزولاً؛ والرئتان
لا تُعتبَران عضوين
قائمين بذاتيهما قيامًا
مجردًا؛ والدماغ لا
يُعتبَر عضوًا قائمًا
بذاته قيامًا معزولاً،
وكذلك العضو الجنسي–التناسلي لا يُعتبَر
عضوًا قائمًا بذاته
قيامًا مجردًا. والحق
أن ألكسي كاريل
ألمع إلى هذه
الحقيقة في كتابه
الممتاز الإنسان ذلك
المجهول.
#كلام_فى_سرك
لا يوجد تعليقات
أضف تعليق